وسائل المحافظة على صلاة الفجر:
ذكر بعض أهل العلم وسائل يمكن أن تساعد المسلم على المحافظة على صلاة الفجر جماعة في المساجد، يمكن أن نوجزها فيما يلي:
(1) إخلاص النية لله تعالى وحده:
يجب على المسلم أن يعزم النية بقلبه على الاستيقاظ لصلاة الفجر ابتغاءَ وجه الله تعالى وحده، وليس طلبًا لمدح الناس؛ قال اللهُ تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ (البينة:5).
روى البخاريُّ عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى؛ (البخاري حديث: 1).
(2) الابتعاد عن السهر والتبكير بالنوم:
ينبغي لمن يريد أن يحافظ على صلاة الفجر أن يتجنَّب السهر بعد صلاة العشاء، إلا لأمر فيه مصلحة، كدراسة العلوم الشرعية أو الدنيوية التي تعود بالنفع على المسلم، أو أمور دنيوية مباحة، كالحديث مع أفراد أسرته، أو السمر مع الضيوف، أو ما أشبَه ذلك؛ روى البخاريُّ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا؛ (البخاري حديث:568).
قال ابنُ حجر العسقلاني (رحمه الله): لأن النوم قبلها قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقًا أو عن الوقت المختار، والسمر بعدها قد يؤدي إلى النوم عن الصبح، أو عن وقتها المختار، أو عن قيام الليل، وكان عمر بن الخطاب يضرب الناس على ذلك، ويقول: أسمرًا أول الليل ونومًا آخره؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ2صـ87).
(3) استخدام وسائل التنبه الحديثة التي تساعد على الاستيقاظ:
إذا كنا نحرص على الذهاب إلى العمل في الوقت المحدد، خشية العتاب أو التعرض للعقوبة من المسؤول عن العمل، ونأخذ بكل الوسائل التي تجعلنا نذهب إلى العمل مبكرين.
إن الاستيقاظ لحضور صلاة الفجر جماعة في المساجد، أحقُّ من حرصنا على العمل، يستطيع المسلم أن يستخدم المنبه، أو هاتفه المحمول، أو أي وسيلة أخرى لمساعدته على الاستيقاظ لصلاة الفجر.
(4) الاستعانة ببعض أهل الخير على الاستيقاظ لصلاة الفجر:
ينبغي على المسلم أن يوصي أهل بيته، أو من يسكن بجواره، أو أحدًا من أصدقائه الصالحين، بإيقاظه لصلاة الفجر، وهذا من باب التعاون على الخير؛ قال الله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ (المائدة:2).
وقال سبحانه: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ (العصر:3:1).
(5) نضح قليل من الماء برفق في وجه النائم:
إذا كان المسلم ثقيل النوم، نضحنا برفق في وجهه قليلًا من الماء، مع مراعاة ألا يترتب على ذلك منكر، وهذه طريقة فعالةٌ لطرد النوم، وقد أرشدنا إليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في سُنَّته المباركة.
روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى، وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ؛ ( حديث حسن صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث: 1287).
قال شمس الحق العظيم أبادي (رحمه الله):
قوله صلى الله عليه وسلم (نَضَحَ)؛ أي رش (فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ)، والمراد التلطف معها والسعي في قيامها لطاعة ربها مهما أمكن؛ قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ (المائدة:2)؛ (عون المعبود شرح سنن أبي داود جـ4صـ228).
(6) ذِكر الله تعالى عقب الاستيقاظ مباشرة:
ينبغي على المسلم أن يذكر الله تعالى ويقول دعاء الاستيقاظ الثابت عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن هذا من أفضل وسائل التغلب على النوم؛ روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ؛ (البخاري حديث1142/مسلم حديث776).
روى البخاريُّ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا وَإِذَا قَامَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ؛ (البخاري حديث:6312).
روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ عَنْ فِرَاشِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ، فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ إِزَارِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ بَعْدُ، فَإِذَا اضْطَجَعَ فَلْيَقُلْ: بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، فَإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ؛ (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2757).
(7) عدم الإكثار من تناول الطعام قبل النوم:
كثرة تناول الطعام قبل النوم من أسباب النوم الثقيل، ولذا ينبغي على المسلم أن يقتصد عند تناول طعامه قبل النوم، فتستريح معدته، ويسهل عليه الاستيقاظ لصلاة الفجر جماعة في المسجد، وأرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في سُّنته المباركة؛ روى الترمذيُّ عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ؛ (حديث صحيح)، (صحيح الترمذي للألباني حديث 1939).
(8) اجتناب المعاصي والحرص على الطاعات وتجديد التوبة:
الحرص على طاعة الله تعالى من أهم الأسباب التي تساعد المسلم على المحافظة على صلاة الفجر.
إن العبد قد يحرمه اللهُ تعالى من التوفيق إلى الطاعة بسبب ذنوبه من غير توبة نصوح.
- قال رجلٌ للحسن البصري: يا أبا سعيد، إني أبيت معافى (في صحة جيدة)، وأحب قيام الليل وأعد طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال الحسن: ذنوبك قيدتك؛ (إحياء علوم الدين للغزالي جـ 1صـ 356).
- قال سفيانُ الثوري (رحمه الله): حُرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته، قيل: وما ذاك الذنب؟ قال: رأيت رجلًا يبكي، فقلت في نفسي: هذا مُراءٍ؛ (إحياء علوم الدين للغزالي جـ 1صـ 356).
- قال أبو سليمان الداراني (رحمه الله): لا تفوت أحدًا صلاة الجماعة إلا بذنب؛ (إحياء علوم الدين للغزالي جـ 1صـ 356).
(9) الحرص على الوضوء وقراءة أذكار النوم الثابتة عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
(10) تذَكُّر ثواب صلاة الفجر وأن ذلك يُثقِل ميزان حسنات المؤمن يوم القيامة.
ختامًا:
أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعلَ هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾، كما أسأله سُبحانه أن ينفع به طلابَ العِلْمِ الكرام.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.